كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



والثالث: تلبية الملبين.
والرابع: صوت الصبيان في الكتاب صاحب تأويلات فرموده كه سوكند ميخورد بنفوس سالكان طريق توحيدكه در مواقف مشاهده صف بركشيده دواعي شيطاني ونوازع شهوات نفساني را زجرى نمايند وبأنواع ذكر لساني يا قلبي يا سري يا روحي بحسب أحوال خود اشتغال ميفرمايند.
وفي التأويلات النجمية: {وَالصَّافَّاتِ صَفًّا} يشير إلى صفوف الأرواح وجاء أنهم لما خلقوا قبل الأجساد كانوا في أربعة صفوف.
كان الصف الأول أرواح الأنبياء والمرسلين.
وكان الصف الثاني أرواح الأولياء والأصفياء.
وكان الصف الثالث أرواح المؤمنين والمسلمين.
وكان الصف الرابع أرواح الكفار والمنافقين {فَالزاَّجِرَاتِ زَجْرًا} هي الإلهامات الربانية الزاجرات للعوام عن المناهي والخواص عن رؤية الطاعات والأخص عن الالتفات إلى الكونين {فَالتَّالِيَاتِ ذِكْرًا} هم الذاكرون الله تعالى كثيرًا والذاكرات انتهى وهذه الصفات إن أجريت على الكل فعطفها بالفاء للدلالة على ترتيبها في الفضل إما بكون الفضل للصف ثم للزجر ثم للتلاوة أو على العكس وإن أجريت كل واحدة منهن على طوائف معينة فهو للدلالة على ترتب الموصوفات في مراتب الفضل بمعنى أن طوائف الصافات ذوات فضل والزاجرات أفضل والتاليات أبهر فضلًا أو على العكس.
وفي تفسير الشيخ وغيره وجاء بالفاء للدلالة على أن القسم بمجموع المذكورات {إِنَّ إِلَاهَكُمْ} يا أهل مكة فإن الآية نزلت فيهم إذ كانوا يقولون بطريق التعجب أجعل الآلهة إلهًا واحدًا أو يا بني آدم وبالفارسية: وبدرستى كه خداى شمادرذات وحدانيت خود {لَوَاحِدٌ} لا شريك له فلا تتخذوا آلهة من الأصنام والدنيا والهوى والشيطان.
والجملة جواب للقسم والفائدة فيه مع أن المؤمن مقر من غير حلف والكافر غير مقرّ ولو بالحلف تعظيم المقسم به وإظهار شرفه وتأكيد المقسم عليه على ما هو المألوف في كلامهم وقد أنزل القرآن على لغتهم وعلى أسلوبهم في محاوراتهم.
وقيل تقدير الكلام فيها وفي مثلها ورب الصافات ورب التين والزيتون.
وفي المفردات: الوحدة الانفراد والواحد في الحقيقة هو الشيء الذي لا جزء له البتة ثم يطلق على كل موجود حتى أنه ما من عدد إلا ويصح وصفه به فيقال عشرة واحدة ومائة واحدة.
فالواحد لفظ مشترك يستعمل في خمسة أوجه:
الأول: ما كان واحدًا في الجنس أو في النوع كقولنا الإنسان والفرس واحد في الجنس وزيد وعمرو واحد في النوع.
والثاني: ما كان واحدًا بالاتصال إما من حيث الخلقة كقولك شخص واحد وإما من حيث الصناعة كقولك حرفة واحدة.
والثالث ما كان واحدًا لعدم نظيره إما في الخلقة كقولك الشمس واحدة وإما في دعوى الفضيلة كقولك فلان واحد دهره وكقولك هو نسيح وحده.
والرابع: ما كان واحد الامتناع التجزي فيه إما لصغره كالهباء وإما لصلابته كالماس.
والخامس: للمبتدأ إما لمبدأ العدد كقولك واحد اثنين وإما لمبدأ الخط كقولك النقطة الواحدة والوحدة في كلها عارضة فإذا وصف الله عز وجل بالواحد فمعناه هو الذي لا يصح عليه التجزي ولا التكثر ولصعوبة هذه الوحدة قال الله تعالى: {وَإِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالاخِرَةِ} [الزمر: 45] انتهى.
قال الغزالي رحمه الله: الواحد هو الذي لا يتجزىء ولا يثنى.
أما الذي لا يتجزىء فكالجوهر الواحد الذي لا ينقسم فيقال إنه واحد بمعنى أنه لا جزء له وكذا النقطة لا جزء لها والله تعالى واحد بمعنى أنه يستحيل تقدير الانقسام على ذاته.
وأما الذي لا يثنى فهو الذي لا نظير له كالشمس مثلًا فإنها وإن كانت قابلة للقسمة بالوهم متجزئة في ذاتها لأنها من قبيل الأجسام فهي لا نظير لها إلا أنه يمكن لها نظير فما في الوجود موجود ينفرد بخصوص وجود إلا ويتصور أن يشاركه فيه غيره إلا الله تعالى فإنه الواحد المطلق أزلًا أبدًا فالعبد إنما يكون واحدًا إذا لم يكن في أبناء جنسه نظير له في خصلة من خصال الخير وذلك بالإضافة إلى أبناء جنسه وبالإضافة إلى الوقت إذ يمكن أن يظهر في وقت آخر مثله وبالإضافة إلى بعض الخصال دون الجميع فلا وحدة على الإطلاق إلاتعالى انتهى.
ولا يوحده تعالى حق توحيده إلا هو إذ كل شيء وحده أي: أثبت وجوده وفعله بتوحيده فقد جحده بإثبات وجود نفسه وفعله وإليه الإشارة بقول الشيخ أبي عبد الله الأنصاري قدس سره تعالى:
ما وحد الواحد من واحد ** إذ كل من ينعته جاحد

فإذا أفنى الوجود المجازي صح التوحيد الحقيقي الذاتي وكل شيء من الأشياء عين مرآة توحيده كما قالوا:
ففي كل شيء له آية ** تدل على أنه واحد

وذلك لأن كل شيء واحد بهويته أو بانتهائه إلى الجزء الذي لا يتجزى أو بغير ذلك:
قال الشيخ الزروقي في شرح الأسماء: من عرف أنه الواحد أفرد قلبه له فكان واحدًا به وقد فسر قوله عليه السلام «إن الله وتر يحب الوتر» يعني: القلب المنفرد له.
وخاصة هذا الاسم الواحد إخراج الكون من القلب فمن قرأه ألف مرة خرج الخلائق من قلبه فكفى خوف الخلق وهو أصل كل بلاء في الدنيا والآخرة وسمع عليه السلام رجلًا يقول في دعائه: اللهم إني أسألك باسمك الله الواحد الأحد الفرد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوًا أحد فقال: «سأل الله باسمه الأعظم الذي إذا دعي به أجاب وإذا سئل به أعطى».
وفي الأربعين الإدريسية يا واحد الباقي أول كل شيء وآخره.
قال السهرودي يذكره من توالت عليه الأفكار الرديئة فتذهب عنه وإن قرأه الخائف من السلطان بعد صلاة الظهر خمسمائة مرة فإنه يأمن ويفرج همه ويصادقه أعداؤه {رَّبُّ السَّمَاوَاتِ وَالارْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا} خبر ثانٍ لأن أي: مالك السموات والأرض وما بينهما من الموجودات ومربيها ومبلغها إلى كمالاتها {وَرَبُّ الْمَشَارِقِ} أي: مشارق الشمس وهي ثلاثمائة وستون مشرقًا تشرق كل يوم من مشرق منها وبحسبها تختلف المغارب ولذلك اكتفى بذكرها يعني إذا كانت المشارق بهذا العدد تكون المغارب أيضًا بهذا العدد فتغرب في كل يوم من مغرب منها وأما قوله تعالى: {رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ} [الرحمن: 17] فهما مشرقا الصيف والشتاء ومغرباهما وقوله: {رَّبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ} أراد به الجهة فالمشرق جهة والمغرب جهة وإعادة الرب في المشارق لغاية ظهور آثار الربوبية فيها وتجددها كل يوم كما ذكر آنفًا.
تلخيصه هو رب جميع الموجودات وربوبيته لذاته لا لنفع يعود إليه بخلاف تربية الخلق والربوبية بمعنى المالكية والخالقية ونحوهما عامة وبمعنى التربية خاصة بكل نوع بحسبه فهو مربي الأشباح بأنواع نعمه ومربي الأرواح بلطائف كرمه ومربي نفوس العابدين بأحكام الشريعة ومربي قلوب المشتاقين بآداب الطريقة ومربي أسرار المحبين بأنوار الحقيقة والرب عنوان الأدعية فلابد للداعي من استحضاره لسانًا وقلبًا حتى يستجاب في دعائه اللهم ربنا إنك أنت الواحد وحدة حقيقية ذاتية لا انقسام لك فيها فاجعل توحيدنا توحيدًا حقانيًا ذاتيًا سريًا لا مجازية فيه وإنك أنت الرب الكريم الرحيم فكما أنك ربنا وخالقنا فكذا مربينا ومولينا فاجعلنا في تقلبات أنواع نعمك شاغلين بك فارغين عن غيرك وأوصل إلينا من كل خيرك.
{إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا} أي: القربى منكم ومن الأرض وأما بالنسبة إلى العرش فهي البعدي.
والدنيا تأنيث الأدنى بمعنى الأقرب {بِزِينَةٍ} عجيبة بديعة {الْكَوَاكِبِ} بالجر بدل من زينة على أن المراد بها الاسم أي: يزان به لا المصدر فإن الكواكب بأنفسها وأوضاع بعضها عن بعض زينة وأي زينة.
وفيه إشارة إلى أن الزينة التي تدرك بالبصر يعرفها الخاصة والعامة وإلى الزينة التي يختص بمعرفتها الخاصة وذلك أحكامها وسيرها والكواكب معلقة في السماء كالقناديل أو مكوكبة عليها كالمسامير على الأبواب والصناديق وكون الكواكب زينة للسماء الدنيا لا يقتضي كونها مركوزة في السماء الدنيا ولا ينافي كون بعضها مركوزة فيما فوقها من السموات لأن السموات إذا كانت شفاعة وأجرامًا صافية فالكواكب سواء كانت في السماء الدنيا أو في سماوات أخرى فهي لابد وأن تظهر في السماء الدنيا وتلوح منها فتكون سماء الدنيا مزينة بالكواكب.
والحاصل: أن المراد هو التزيين في رأي العين سواء كانت أصول الزينة في سماء الدنيا أو في غيرها وهذا مبني على ما ذهب إليه أهل الهيئة من أن الثوابت مركوزة في الفلك الثامن وما عدا القمر في السنة المتوسطة وإن لم يثبت ذلك فحقيقة العلم عند الله تعالى: {وَحِفْظًا} منصوب بعطفه على زينة باعتبار المعنى كأنه قيل إنا خلقنا الكواكب زينة للسماء وحفظًا برمي الشهب {مِّن كُلِّ شَيْطَانٍ مَّارِدٍ} أي: خارج عن الطاعة متعر عن الخير من قولهم شجر أمرد إذا تعرى من الورق ومنه الأمرد لتجرده عن الشعر.
وفي التأويلات النجمية بقوله: {إِنَّا زَيَّنَّا} إلخ يشير إلى الرأس فإنه بالنسبة إلى البدن كالسماء مزين {بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ} الحواس وأيضًا زين سماء الدنيا بالنجوم وزين قلوب أوليائه بنجوم المعارف والأحوال وكما حفظ السموات بأن جعل النجوم للشياطين رجومًا كذلك زين القلوب بأنوار التوحيد فإذا قرب منها الشياطين رجموهم بنور معارفهم كما قال: {وَحِفْظًا مِّن كُلِّ شَيْطَانٍ مَّارِدٍ} يعني: من شياطين الإنس.
وحكي أن أبا سعيد الخراز قدس سره رأى إبليس في المنام فأراد أن يضربه بالعصا فقال: يا أبا سعيد أنا لا أخاف العصا وإنما أخاف من شعاع شمس المعرفة:
{لا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلا الأعْلَى} أصل يسمعون يتسمعون فأدغمت التاء في السين وشددت والتسمع وتعديته بإلى لتضمنه معنى الإصغاء.
والملأ جماعة يجتمعون على رأي فيملأون العيون رواء والنفوس جلالة وبهاء والملأ الأعلى الملائكة أو أشرافهم أو الكتبة وصفوا بالعلو لسكونهم في السموات العلى، والجن والإنس هم الملأ الأسفل لأنهم سكان الأرض وهذا كلام مبتدأ مسوق لبيان حالهم بعد بيان حفظ السماء منهم مع التنبيه على كيفية الحفظ وما يعتريهم في أثناء ذلك من العذاب.
والمعنى: لا يتطلبون السماء والإصغاء إلى الملائكة الملكوتية يعني: ملائكه كه مطلع اند بر بعضى از اسرار لوح بايكديكر ميكويند ايشانرا نمى شنوند بلكه طاقت شنودن وكوش فرانهادن ندارند {وَيُقْذَفُونَ} القذف الرمي البعيد ولاعتبار البعد فيه قيل منزل قذف وقذيف وقذفته بحجر رميت إليه حجرًا منه قذفه بالفجور أي: يرمون {مِن كُلِّ جَانِبٍ} من جميع جوانب السماء إذا قصدوا الصعود إليها {دُحُورًا} علة للقذف أي: للدحور وهو الطرد يقال دحره دحرًا ودحورًا إذا طرده وأبعده {وَلَهُمُ} في الآخرة غير ما في الدنيا من عذاب الرجم بالشهب {عَذَابٌ وَاصِبٌ} دائم غير منقطع من وصب الأمر وصوبًا إذا دام.
قال في المفردات: الوصب السقم اللازم {إِلا مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ} استثناء من واو يسمعون ومن بدل منه.
والخطف الاختلاس بسرعة والمراد اختلاس الكلام أي: كلام الملائكة مسارقة كما يعرب عنه تعريف الخطفة أي: لا يسمع جماعة الشياطين إلا الشيطان الذي خطف أي: اختلس الخطفة أي: المرة الواحدة يعني كلمة واحدة من كلام الملائكة.
{فَأَتْبَعَهُ} أي: طبعه ولحقه.
قال ابن الكمال: الفرق بين اتبعه وتبعه أنه يقال اتبعه اتباعًا إذا طلب الثاني اللحوق بالأول وتبعه تبعًا إذا مر به ومضى معه {شِهَابٌ}.
قال في القاموس: الشهاب ككتاب شعلة من نار ساطعة انتهى والمراد هنا ما يرى منقضًا من السماء {ثَاقِبٌ}.
قال في المفردات: الثاقب النير المضيىء يثقب بنوره وإضاءته ما يقع عليه انتهى أي: مضى في الغاية كأنه يثقب الجو بضوئه يرجم به الشياطين إذا صعدوا لاستراق السمع.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: بينما رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم جالس في نفر من أصحابه إذ رمى بنجم فاستنار فقال عليه السلام: «ما كنتم تقولون لمثل هذا في الجاهلية» فقالوا: يموت عظيم أو يولد عظيم فقال: «إنه لا يرمى لموت أحد ولا لحياته ولكن الله إذا قضى أمرًا يسبحه حملة العرش وأهل السماء السابعة يقولون» أي: أهل السماء السابعة «لحملة العرش ماذا قال ربكم فيخبرونهم فيستخبر أهل كل سماء أهل سماء حتى ينتهي الخبر إلى السماء الدنيا فيتخطف الجن فيرمون فما جاءوا به على وجهه هو حق ولكنهم يزيدون فيه ويكذبون فما ظهر صدقه فهو من قسم ما سمع من الملائكة وما ظهر كذبه فهو من قسم ما قالوه».
قيل: كان ذلك في الجاهلية أيضًا لكن غلظ المنع وشدّد حين بعث النبي عليه السلام.
قيل: هيئة استراقهم أن الشياطين يركب بعضهم بعضًا إلى السماء الدنيا فيسمع من فوقهم الكلام فيلقيه إلى من تحته ثم هو يلقيه إلى الآخر حتى إلى الكاهن فيرمون بالكوكب فلا يخطىء أبدًا فمنهم من يقتل ومنهم من يحرق بعض أعضائه وأجزائه ومنهم من يفسد عقله وربما أدركه الشهاب قبل أن يلقيه وربما ألقاه قبل أن يدركه ولأجل أن يصيبهم مرة ويسلمون أخرى لا يرتدعون عن الاستراق بالكلية كراكب البحر للتجارة فإنه قد يصيبه الموج وقد لا يصيبه فلذا يعود إلى ركوب البحر رجاء السلامة.
ولا يقال إن الشيطان من النار فلا يحترق لأنه ليس من النار الصرف كما أن الإنسان ليس من التراب الخالص مع أن النار القوية إذا استولت على الضعيفة استهلكتها ثم إن المراد بالشهاب شعلة نار تنفصل من النجم لا أنه النجم نفسه لأنه قار في الفلك على حاله.
وقالت الفلاسفة: إن الشهب إنما هي أجزاء نارية تحصل في الجو عند ارتفاع الأبخرة المتصاعدة واتصالها بالنار التي دون الفلك انتهى.
وقال بعض كبار أهل الحقيقة: لولا الأثير الذي هو بين السماء والأرض ما كان حيوان ولا نبات ولا معدن في الأرض لشدة البرد الذي في السماء الدنيا فهو يسخن العالم لتسري فيه الحياة بتقدير العزيز العليم وهذا الأثير الذي هو ركن النار متصل بالهواء والهواء حار رطب ولما في الهواء من الرطوبة إذا اتصل بهذا الأثير أثر فيه لتحركه اشتعالًا في بعض أجزاء الهواء الرطبة فبدت الكواكب ذوات الأذناب لأنها هواء محترق لا مشتعل وهي سريعة الاندفاع وإن أردت تحقيق هذا فانظر إلى شرر النار إذا ضرب الهواء النار بالمروحة يتطاير منها شرر مثل الخيوط في رأى العين ثم تنطفىء كذلك هذه الكواكب وقد جعلها الله رجومًا للشياطين الذين هم كفار الجن كما قال الله تعالى انتهى كلامه قدس سره.
قال بعضهم: لما كان كل نير يحصل في الجو مصابيح لأهل الأرض فيجوز أن تنقسم إلى ما تكون باقية على وجه الدهر آمنة من التغير والفساد وهي الكواكب المركوزة في الأفلاك وإلى ما لا تبقى بل تضمحل وهو الحادث بالبخار الصاعد على ما ذهب إليه الفلاسفة أو بتحريك الهواء الأثير وإشعاله على ما ذهب إليه بعض الكبار فلا يبعد أن يكون هذا الحادث رجمًا للشيطان.
يقول الفقير أغناه الله القدير: قول بعض الكبار يفيد حدوث بعض الكواكب ذوات الأذناب من التحريك المذكور وهي الكواكب المنقضة سواء كانت ذوات أذناب أو لا وهذا لا ينافي ارتكاز الكواكب الغير الحادثة في أفلاكها أو تعليقها في السماء أو بأيدي الملائكة كالقناديل المعلقة في المساجد أو كونها ثقبًا في السماء أو عروقًا نيرة من الشمس على ما ذهب إلى كل منها طائفة من أهل الظاهر والحقيقة.
قال قتادة: جعل الله النجوم لثلاث زينة للسماء ورجومًا للشياطين وعلامات يهتدى بها فمن تأول فيها غير ذلك فقد تكلف ما لا علم له به، فعلى طالب الحق أن يرجم شيطانه بنور التوحيد والعرفان كيلا يحوم حول جنانه ويكون كالملأ الأعلى في الاشتغال بشأنه. اهـ.